جدل بالأزهر حول فتوى إماراتية تجيز المكياج للرجال
مسألة مكياج الرجال قضية مرفوضة إجتماعياً في مجتمعاتنا الشرقية
جدل بالأزهر حول فتوى إماراتية تجيز المكياج للرجال
صبحي مجاهد
إسلام أون لاين ـ القاهرة
الفتوى التي أصدرها مؤخراً الدكتور أحمد عبدالعزيز الحداد كبير المفتيين في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بشأن "جواز استخدام الرجال المكياج بشرط عدم التشبّه بالنساء" أثارت نوعاً من الجدل داخل الأزهر الشريف حول مدى أهمية الفتوى والضوابط المتعلقة بها.
ففي الوقت الذي رفض فيه البعض تلك الفتوى باعتبار أنها غير ضرورية، وقد تفتح الباب لمفاسد عديدة أيد آخرون صدور الفتوى لكنهم أبدوا ضوابط وشروطً مختلفة فيما يتعلق بوضع الرجل للمكياج.
وكان الدكتور الحداد قد أطلق فتواه عقب تلقيه شكاوى واستفسارات عدة بشأن إقبال الشباب على استخدام المكياج، خصوصاً المكياج الرجالي الذي طرح في الأسواق الخليجية .
وقالت الفتوى :"إن استخدام المكياج للرجال يجوز بشكل عام، سواء كانت الوظيفة تتطلب ذلك، أو لإخفاء بثور في الوجه، أو حتى للتجمّل، لأن الله جميل يحب الجمال، وقد جاز للجند الصبغ بالسواد بلا خلاف".
لافتاً إلى أن تحريم استخدام المكياج، يقتصر فقط في حالة استخدامه للتشبّه بالنساء، فقد "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" وحالات التشبه معروفة لا تخفى على أحد.
وجوه الاعتراض
يؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية والأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لـ"إسلام أون لاين": " إن الرجال لهم خصوصية، والنساء لهن خصوصية، و صحيح أن الله أمر بالزينة حين قال " يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" لكن هذا لا يعني التزين بالمساحيق .
واستطرد: "أن الإسلام يطلب من المسلم أن يكون ذو شكل طيب لكن لا يطلب منه في ذات الوقت أن يستعمل مساحيق أو تختلط الأوراق بين الرجال والنساء، خاصة وأن استخدام المكياج قد يؤدي في بعض الأحيان لتغيير خلق الله، حتى للمرأة، إلا أنه قد يجوز للمرأة استخدام المساحيق دون مبالغة عند تزينها لزوجها".
وشدد على أن هذه الفتوى لا حاجة لنا بها ولا يجوز إصدار مثل هذه الفتاوى لأن الأمر معروف حتى بالعرف، فاستخدام المساحيق قد يقبل للمرأة للتجمل لزوجها لكن لا يقبل للرجل ذلك لأن في هذا خروج عن المألوف للمسلم، وله أن يتجمل بنظافته وسلوكياته الداخلية ويهذب من شكله وشعره .
ويرى الدكتور الجندي أنه لا حاجة مجتمعياً لإصدار فتوى عن المكياج أو غيره من أمور التجميل إلا رداً على أسئلة خاصة، وقال: "لا ينبغي أن نطلق العنان لمثل هذه الفتاوى، فلا حاجة للمجتمع لهذه الفتاوى ولكن كل ما نقوله أن الزينة التي يعترف بها الإسلام هي أن يكون الإنسان على مقتضى الهيئة الطبيعية التي خلقه الله عليها دون إهمال".
الممثلين والفنانين
بينما ترى د. سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر عدم جواز استخدام الرجال للمكياج ماعدا استخدام بودرة المكياج من أجل إخفاء العيوب في الوجه أو التقليل من العرق بحيث يكون ذلك في أضيق الحدود وتوضح لـ" إسلام أون لاين" أن الأمر هنا لايعد من قبيل المكياج، وإنما يعد للضرورة من باب العلاج المؤقت أما استخدام المكياج في غير هذا يعد من باب التشبه .
وفيما يتعلق بالممثلين والفنانين الذين غالباً ما يستخدمون المكياج فأكدت د. سعاد: "أن الحكم يشملهم، ولا يجوز لهم إلا استخدام بودرة المكياج في حدود الضرورة، أما وضع الكحل ورسم الحواجب فأمر محرم".
وتعلل رأيها بالقول :"أن استخدام الرجل للمكياج يحول الإنسان من إنسان طبيعي إلى إنسان مخنث أي متشبه بالنساء، كما أنه يؤثر على سلوكياته وفي هذه الحالة لابد من إبعاده عن المجتمع، لأن فيه خطورة على مجتمع النساء نفسه، ويؤدي لنشر الفساد" .
حكم الأصل
على الجانب الآخر يوضح الدكتور سعد الدين هلال أستاذ الفقه بجامعة الأزهر لـ" إسلام أون لاين" أن مثل هذه الفتوى التي أصدرها الشيخ أحمد الحداد تبين حكم الأصل في الشريعة الإسلامية في أنها لا تمنع استخدام المكياج للرجال بما لا يجعلهم متشبهين بالنساء .
وعن أهمية تلك الفتوى في المجتمع رغم وجود قضايا أهم يقول الدكتور هلال :"إن الأحكام كما قال الشاطبي من حيث المقاصد تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي الضروريات والحاجيات والتحسينات، وأكد الشاطبي أن الشريعة جاءت لحماية تلك المصالح الثلاثة دون استخفاف بأحدها، كما أن الفقه الإسلامي به أحكام رفاهية بتعبير ابن رشد المالكي وهو يذكر رخصة المسح على الخفين فوصفها بانها رخصة رفاهية المسح على الخفين".
وشدد على أن الإسلام الذي جاء على توفير الحاجيات جاء أيضاً لإشباع رغبات الناس في التحسينات بشرط أن تكون تلك المصالح منضبطة وفق الشريعة الإسلامية فلا يجوز الأخذ بحكم بما يضاد حكم آخر .
وأشار إلى أن ما يراه البعض من التحسينيات قد يراه البعض الآخر هو نفسه من الحاجيات والضروريات مثل بعض جراحات التجميل فالأمر يتفاوت بتفاوت صاحب المصلحة وما يعدها في ذاتها بالنسبة له ضرورية أو تحسينية .
وأكد الدكتور سعد أن المشكلة هي أن الناس تحكم على غيرها ولا تحكم على نفسها، في حين أن الشرع فوض الإنسان في أن يحكم على نفسه لأنه أمين عليها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتَوك" وقوله تعالى " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " .
دلالة إجتماعية
وعن الأثر الإجتماعي إذا ما تم تعميم فتوى إجازة المكياج للرجال بشرط عدم التشبه بالنساء، فيرى الدكتور سعد أن مثل هذه الفتوى ربما تفتح شهية الشباب للإعتناء بالمكياج وببشرتهم، كما أن تعميم الحكم يجعل الفتوى دعوة للمجون والخلاعة، فقد ورد في الحديث: " اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم" وعليه لا ينبغي أن تعمم مثل هذه الفتوى في الأوساط الشبابية المراهقة، وينبغي أن تكون للحالات الخاصة المعروفة وليست في العموم.
وهذا نفس ما ذهب إليه الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر وأضاف أن مسألة مكياج الرجال قضية مرفوضة إجتماعياً في مجتمعاتنا الشرقية، لأن الأصل في الرجل التقوى والعقلانية والرأي الراجح والحكمة في اتخاذ القرارات وأن يكون متسما بالعدالة واحقاق الحق وليس الأصل في الرجل ان يكون جميلاً، ولا يكون متأنقاً زيادة في الملبس .
ويشير إلى أن المكياج معناه تجميل الرجل ، والرجل لا يتجمل بالمكياج ولكن يتجمل بالقيم والسلوك والقدرة على الإنجاز والنفع لنفسه ولأسرته ولأمته كما أن الرجولة هي المسؤولية والقدرة على تحملها ، وفرق بينها وبين الذكورة التي تعني الإنجاب وهي الفحولة وهي جانب من جوانب الرجولة.
ومع ذلك يرى الدكتور نبيل أنه قد يجوز إجتماعياً قبول وضع المكياج أو المساحيق للضرورة كأن يكون للعلاج ، أو لتقمص شخصية في أداور تمثيلية درامية بشرط ألا تجعله متشبهاً بالنساء أو تؤدي بما نسميه بالخنوثة أو مايسمى الآن بالجنسية المثلية، وفي أوروبا نرى رجال يضعون مكياج وهذا يعتبرونه حق ولكن نحن نعتبره تخلفاً وخروجاً على الدين.
12/24/2010, 18:25
.gif "مشرفة قسم الطبخ")
